استجابة الزلزال.. ما بين الألم والمقاومة

أثناء عملية الإنقاذ كان هناك تحت الأنقاض أطفالا تصرخ وتتوسل أن نخرجهم بسرعة قبل انقطاع أنفاسهم الأخيرة، كنا نبحث عنهم وعيوننا تذرف دموعا وجعا على تلك الأجساد الصغيرة.

 

منقذ في الكارثة. 

أنا عبد الغني حاج أسعد، متطوع في منظمة بنفسج منذ أكثر من 7 سنين وأعمل قائد فريق الطوارئ، شاهد على كارثة الزلزال التي هزت المدن بسكانها وأوجعت أرواح آلاف الناس في شمال غرب سوريا، قبل أربعة أيام من حدوث الكارثة توجهت إلى قرية الزوف في جسر الشغور مع مجموعة من شباب الفريق استجابة للعوائل في المخيمات المتضررة من العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة.  

 

أولى لحظات الزلزال 

استيقظت مع أعضاء الفريق مذعورين على أصوات قوية واهتزاز أرضٍ من تحتنا لم يسبق وشعرنا بمثله، ركضنا بسرعة دون إدراك لما يحصل حولنا إلى الخارج وهنا كانت الصدمة من هول المشهد الذي تقشعر له الأبدان، أبنية بسكانها تنهار على الأرض واحدة تلو الأخرى، أصوات ذعر وصراخ من حجم الكارثة، توجهنا مباشرة إلى سيارتنا حتى نتمكن من الوصول إلى ساحة أكثر أمانا بعيدا عن الأبنية إلى حين ضمان انتهاء الزلزال، انقطعت الكهرباء والإنترنت في الأرجاء حينها ولم يعد هناك وسيلة لنطمئن فيها على سلامة عوائلنا سوا قبضة الاتصال اللاسلكي الذي كان بحوزتنا. 

 

العائلة أم الاستجابة 

بدأ فريق الإسعاف بالاستجابة المباشرة وإنقاذ العوائل العالقة تحت الأنقاض في جسر الشغور وتوجهتُ إلى مدينة إدلب في تمام الساعة الخامسة والنصف فجرا حيث كان هناك الاحتياج والضرر الأكبر، كانت أغلب العوائل قد توجهت إلى الكورنيش وتجمعت هناك ورأيت مع أولى لحظات وصولي هناك وجوه أطفال ونساء مذعورة وأصوات بكاء من شدة الخوف والهلع دون أن يدرك أحدا منهم حقيقة ما يحصل، لم أستطع الوصول لعائلتي في الساعات الأولى حتى يطمئن قلبي وأتأكد من سلامتهم ولا هم أيضا استطاعوا أن يسمعوا أي خبر عني وعن مل حل بي لكنني توجهت إلى منزلي وتأكدت من أن الجميع قد خرج منه بسلام دون ملاحظة أي ضرر كبير فيه وهنا كان علينا أن نتحرك سريعا فالساعات محدودة أمام العالقين تحت حجار منازلهم.  

 

ما بين النجاة والموت ساعات معدودة 

انطلقت نداءات الاستغاثة في كافة المناطق وقد شهدت مدينة إدلب حجم ضرر بأبنيتها بشكل كبير فبدأت عمليات الاستجابة من هناك وتحديدا منطقة الحي الشمالي، وقفنا أمام بناء انهار أرضا بالكامل على أجساد سكانه وكان هناك أصوات أطفال تتوسل أن نخرجها قبل أن تنقطع عنهم أنفاسهم ويفوتهم الأوان، تلك النداءات جعلتنا نبحث عنهم بكامل ما فينا من قوة ونحن نبكي حزنا على ألمهم، وبعد مرور ساعتين استطعنا أن ننقذ حياة الطفلين وأخرجنا امرأة ورجل وطفليهم الاثنين وهم مفارقين الحياة دون أن يسعهم الوقت لنجاتهم.   

 

أكثر ما كان يخيفني ويحاصر أفكاري هو أننا مع كل ساعة نفوتها كنا نفقد أرواح أكثر تحت الأنقاض.  

 

بدأت صرخات الاستغاثة تخرج من منطقة سلقين وبالفعل توجهنا إلى هناك خلال مدة قصيرة جداً، كانت 30% من الأبنية منهارة بالكامل على أهلها وأصبح حجم الكارثة أكبر من أن يلحق الفريق لاستجابتها، وصلنا إلى بناء لم يتم إنقاذه من قبل أحد وكان لدينا أملا بأن يخرج بعضا من سكانه على قيد الحياة فكنا نبذل جهودا كبيرة أثناء الحفر حتى نستطيع اللحاق بهم وبعد ساعات من العمل بدأنا بالوصول إليهم ولكن أغلب العوائل كانت قد فارقت الحياة قبل أن نصل إليها حيث أننا كنا نعثر عليهم إما على درج البناء أو أمام أبواب منازلهم، استطعنا في الساعات الخمس الأولى أن نستخرج جثث ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة أم وأب وطفلهم الصغير تراوحت أعمار الوالدين ما بين 25 و 35 عاما وأما الطفل فأستطيع تخمين عمره ما بين 5 و6 سنوات واستمر العمل لاستخراج جثث أربعة أشخاص آخرين، وفي ساعات الليل الأخيرة استطعنا الوصول لعائلة أخرى لم نستطع النجاة وقد تكونت من امرأة ورجل وطفلة صغيرة تبلغ من العمر ما يقارب الأربع سنين وأيضاً امرأة كبيرة في السن في الستينات من العمر ليصل عدد الأشخاص الذين استطاع الفريق استخراجهم حينها 11 فردا.   

 

مقاومة الوضع المأساوي 

لم تكن الظروف ولا حال المناطق يساعدنا على سرعة الوصول للعوائل تحت الأنقاض فقد كان الدمار منتشرا على طول الطرقات بشكل كبير وكانت عملية الوصول للمناطق المتضررة صعب جدا إضافة إلى انقطاع الطرق الرئيسية للقرى نتيجة لانتشار فرق الإنقاذ فيها، كان الألم محاطا بنا من كل مكان ونفوسنا مرهقة من شدة ما شهدت لم تكن لدينا فرصة الاطمئنان على عوائلنا ورؤيتهم ولو لمدة دقائق وأصبحت ثيابنا لا تفوح منها سوى رائحة الدم والجثث وذلك بعد إيامٍ من الإستجابة. 

 

مشاهد وأصوات لن تُنسَ 

ثمة بعض المواقف والأصوات عالقة في ذاكرتي لا يمكن نسيانها، كان صوت الناس وهي تتوسل إلينا من أجل الحفر والبحث عن مفقوديها دافعا لئلا نستسلم أمام الألم، ولكن لحظة العثور على جثث الأفراد وهي بالغالب تحتضن بعضها البعض أكثر المشاهد وجعاً لنفوسنا، ولا أنسى دموع أمي التي كانت على طول خدها دون أن أتمكن من أكون معها بقربها. 

شارك المقال

اقرأ أيضاً

مقالات أخرى مشابهة