التأثير المركب لتغير المناخ والصراع المسلح على قطاع الأغذية الزراعية في شمال غرب سوريا – ورقة بحثية من بنفسج

ملخص تنفيذي
تُعدّ الزراعة منذ زمن بعيد العمود الفقري للاقتصاد الريفي وركيزة الأمن الغذائي في سوريا. غير أنّ عقدًا من النزاع المسلح، تفاقم بفعل تسارع آثار التغير المناخي، قد أدى إلى انهيار النظام الزراعي والغذائي، مخلّفًا آثارًا مدمّرة على حياة المجتمعات التي تعتمد عليه.
تتناول هذه الدراسة فجوة حرجة في الأدلة من خلال توثيق كيفية تفاعل التغير المناخي مع النزاع المسلح كمضاعفين للتهديد، وما ينجم عن ذلك من سلاسل سببية تفسر فشل سلاسل القيمة الزراعية الرئيسية في سوريا، ولا سيما القمح والزيتون والثروة الحيوانية.
تكمن قيمة هذا البحث في جانبين أساسيين:
أولاً، من خلال المشاركة المجتمعية المكثفة في شمال غرب سوريا، التقط البحث التجارب الحية والأولويات لمجتمعات الزراعة والرعي، وهي أصوات لا تزال غائبة إلى حد كبير عن نماذج التخطيط والتمويل الإنسانية والإنمائية الحالية. وثانيًا، من خلال تتبع تطور التحديات الزراعية والغذائية قبل النزاع المسلح وأثناءه وبعده، يُظهر التحليل أن العديد من نقاط الضعف السابقة للنزاع مثل سوء إدارة الموارد الطبيعية، وضعف الحوكمة، والسياسات غير العادلة قد تفاقمت بفعل العنف والضغوط المناخية. إنّ الاعتراف بهذه الأنماط التاريخية من الفشل والقدرة على الصمود أمر ضروري لرسم مسارات تعافٍ واقعية وذات مصداقية. وفي ظل هذه المرحلة الانتقالية غير الواضحة التي تمر بها سوريا، يُعدّ توليد الأدلة حول تلاقي المناخ والنزاع المسلح أمرًا أساسيًا لتصميم تدخلات واستجابة ذات مغزى، قادرة على إعادة بناء قطاع زراعي وغذائي أكثر شمولًا واستدامة وقدرة على الصمود أمام التغير المناخي.
يُظهر هذا البحث التشاركي كيف أن الصدمات المناخية بما في ذلك الجفاف، وعدم انتظام الأمطار، والصقيع، وتفشي الآفات تقوم بتقوّيض مباشر للإنتاج الزراعي، وإنتاجية الثروة الحيوانية، واستدامة الموارد الطبيعية. وتتفاقم هذه الضغوط بفعل عوامل النزاع المسلح تدمير أنظمة الري والبيطرة، وتقييد الوصول إلى الأراضي، وفقدان اليد العاملة الماهرة نتيجة النزوح، وارتفاع تكاليف المدخلات بسبب العقوبات وإغلاق الحدود وتدهور قيمة العملة.
لقد تضافرت هذه التأثيرات لتدمير القطاع إذ انخفض إنتاج زيت الزيتون بنسبة 54٪ بين المزارعين المشمولين بالبحث، وتراجعت غلة القمح إلى 1.2 مليون طن أي أقل بنسبة 60٪ من متوسط الإنتاج الوطني على المدى الطويل، وانخفضت أعداد قطعان الماشية بنسبة 82٪. وقد تسببت هذه الانخفاضات في نقص المعروض المحلي، وضعف قدرة الأسواق المتهالكة على التوزيع، وتراجع القوة الشرائية للأسر، مما جعل المجتمعات أكثر هشاشة أمام الصدمات المستقبلية.
كما أن هذه الأزمة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنوع الاجتماعي؛ فمع وفاة أو نزوح أو هجرة الرجال، تحمّلت النساء عبئًا أكبر في العمل الزراعي وتربية الماشية والحصاد والإنتاج الغذائي. إلا أنّ هذا الدور الموسع لم يصاحبه تمكين كافٍ، إذ ما تزال النساء مستبعدات من الأسواق، والائتمان، وخدمات الإرشاد، مما يكرّس فجوات الأجور وعدم المساواة. فعلى سبيل المثال، أفادت 72٪ من النساء في قطاع الزيتون بأنهن يتحملن مسؤوليات أكبر، بينما يواجهن فجوة في الأجور تتراوح بين 20 و50٪ مقارنة بنظرائهن الرجال، مع غياب تام عن الجمعيات الزراعية. ويعكس هذا الواقع المزدوج مسؤوليات أكبر وفرص تمكين أقل أحد أبرز نتائج هذا البحث حول الضغط المركب للنزاع والتغير المناخي.
استنادًا إلى البيانات الأولية، برزت رؤيتان واضحتان عبر سلاسل القيمة الثلاث:
- إدراك المجتمعات للتغير المناخي كتهديد عاجل وطويل الأمد، في حين يركز المانحون والمنظمات غير الحكومية على الاحتياجات الإنسانية الآنية. وأكد المزارعون ومربو الماشية مرارًا أن الجفاف وتغير نمط الأمطار وموجات الحر تشكل أخطر التحديات لسبل عيشهم، وأظهروا طيفًا واسعًا من الاستجابات المحلية من إدارة المياه إلى تنويع المحاصيل وغالبًا ما كانوا أكثر توقعًا للحلول من الفاعلين الخارجيين.
- رغم الأضرار المركبة للنزاع والتغير المناخي، فإن مسارات التعافي والقدرة على الصمود بدأت تتبلور. فالمجتمعات ليست سلبية، بل تتبنى ممارسات جديدة، وتعيد تنظيم الإنتاج، وتعتمد على شبكاتها المحلية. ومن أبرز الأمثلة ازدياد دور المرأة في الزراعة والثروة الحيوانية. ورغم استمرار استبعادها من ملكية الأرض والوصول إلى الأسواق والتمويل والمشاركة في صنع القرار، إلا أنّ تحملها مسؤوليات أكبر في الإنتاج ورعاية الأسرة يجعلها فاعلاً رئيسيًا في جهود التعافي. ومع توفير التمويل والتدريب والوصول إلى الأسواق وإشراكها في الهياكل الحاكمة، يمكن للمرأة الانتقال من مرحلة التأقلم الهش إلى قيادة جهود بناء القدرة على الصمود.
وفقا لنتائج هذا البحث، يمكن ترتيب التوصيات وفق تسلسل يتماشى مع واقع المخاطر المركبة:
- الأولويات الإنسانية قصيرة الأجل: ضمان الوصول إلى الأعلاف والبذور ومياه الري ودعم التحصين لتحقيق الاستقرار في سبل العيش.
- التعافي متوسط الأجل: استعادة الأنظمة البيطرية والإرشادية، وتعزيز التعاونيات، ودعم الأنشطة الزراعية التجارية المحلية وخاصة التي تقودها النساء لإعادة بناء القدرات الإنتاجية.
- التكيف طويل الأجل: الاستثمار في الطاقة المتجددة وأنظمة البذور المعتمدة، وتعزيز الجاهزية لموجات الجفاف، وتوسيع الزراعة الذكية مناخيًا لمعالجة مواطن الضعف الهيكلي.
لا يقدّم هذا التقرير خطة عمل شاملة، بل يشكل نقطة انطلاق واقعية مستندة إلى الواقع المحلي وأصوات المجتمع، مسلطًا الضوء على تفاعل النزاع المسلح والتغير المناخي، ومحددًا نقاط الدخول الممكنة للتعافي والتمكين في قطاع الزراعة والإنتاج الغذائي في سوريا.
نودّ أن نتقدّم بالشكر إلى وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة عبر برنامج سبارك على دعمهم السخي الذي جعل هذا العمل ممكناً. إنّ الآراء الواردة في هذا المنشور تعبّر عن وجهة نظر المؤلفين ولا تعكس بالضرورة مواقف وزارة الخارجية والتنمية البريطانية.
 
			