زلزال فبراير.. ذكرى مؤلمة وقصة ملهمة

فجأة بدأت الأرض وكل ما حولي بالاهتزاز كنت أشعر أن شدتها تزداد مع كل ثانية توقعت أن ينتهي هذا الشيء سريعاً إلا أنه استمر طويلاً هربت وعائلتي إلى ممر المنزل كما نفعل في لحظات القصف كل مرة.

هكذا تروي لنا زينب طالبة طب الأسنان وأحد أعضاء فريق الحماية في منظمة بنفسج أولى لحظاتها مع الزلزال.

أبدأ صباحي كل يوم إما بمتابعة أعمالي مع فريق الحماية في بنفسج أو أنشغل بمتابعة تعليمي من أجل تحقيق حلم التخرج من تخصص طب الأسنان، أعمل على تقديم أنشطة PSS وهي أنشطة دعم نفسي تقدم للأطفال ومختلف الفئات العمرية إما بجلسات توعوية أو أنشطة ترفيهية لسكان الشمال السوري وتهيئ الظروف الآمنة التي تساعدهم على تحقيق السلامة النفسية في ظل الظروف الصعبة التي تشهدها المناطق.

 

6 فبراير.. لحظات الزلزال الأولى 

في السادس من فبراير صباح يوم الاثنين من العام الماضي كان توقيت بدء اختباراتي الجامعية ولأني أحلم دوماً بالتفوق وأعدّ الأيام حتى أعيش لحظة التخرج غالبتُ التعب والنعاس مساء يوم الأحد وعزمتُ على أن أساهر الليل حتى صباح اليوم التالي من أجل التحضير لاختباراتي بأفضل ما يمكنني فعله, بينما كنت أجلس على مكتبي أحاول إنهاء منهاجي الدراسي بدأت أشعر باهتزاز الأرض وكل ما حولي ظننت أن الأمر لن يطول كثيرا إلا أنه كان يزداد قوة دون توقف, انقطعت الكهرباء في المنطقة وحل الظلام على غرفتي ركضت مباشرة إلى ممر المنزل كما أفعل عادة في أيام القصف التي نعيشها, لم أخرج وعائلتي حينها إلى الخارج بل انتظرنا انتهاءها وعدتُ مباشرة لإكمال دراستي, لم يعد هناك وصول للاتصال والانترنت حينها ولكن ما كنتُ أتصور أن تلك اللحظات التي عشناها تسببت بالقضاء على أرواح الآلاف ودمار المنازل من حولنا, فمنزلي لم يتضرر بشكل كبير سوى أن الحائط الذي كنا نستند قربه قد تشقق قليلاً. 

مشاعر ما بين اللوم والألم 

بعد عدة ساعات استطعت التواصل مع أقربائي وأدركت حجم الكارثة التي أصابتنا، تألمت كثيراً لما رأيته وسمعته، أصبحت ألوم نفسي كيف بي أعود لإكمال دراستي بينما هناك أناس خائفة وأخرى تتألم تحت أنقاض منزلها، حقيقة لم أكن أدري ما يحصل حولي فمنطقتنا لم تتضرر بشكل كبير كباقي المناطق إلا أن تلك المشاعر قد غلبتني حينها، قررت أن أواجه الأمر بالعمل والاستجابة لمساعدة المتضررين ومحاولة التخفيف من ألم الكارثة على نفوسهم.  

 كان الألم الذي شهدته أقل بكثير ممن عاشه فكان دوري حينها بأن أنهض مَن تدمر وأسانده

رحلة زينب في الاستجابة مع بنفسج 

تواصل معنا الأستاذ إبراهيم مسؤول فريق الحماية وأخبرنا بإطلاق استجابة لأهلنا المتضررين انضممت للفريق وانطلقنا مباشرة للعمل, أذكر الطريق الذي مررنا من خلاله إلى مدينة جنديرس أحد أكثر المناطق تضررا فقد صدمنا من حجم الدمار ورأينا أبنية تهتز من حركة الهواء وأخرى تميل بمجرد أن يسند عليها أي شيء بسيط, تلك المشاهد أخذتني إلى لحظات الزلزال الأولى وتأثرت بها كثيرا, لم يتوانى الأستاذ إبراهيم عن دعمنا بكافة الوسائل من أجل رفع همتنا وتقديم الدعم اللازم للعوائل والأطفال, روح الفريق كانت أكبر داعم لاستمرار عملنا كان هناك بعضا من زملائنا ممن كان لديه أقرباء وأصدقاء تحت الأنقاض ومتضررين بشكل كبير كنا نتكاتف جميعا على دعمهم والتخفيف من آلامهم.   

دعم الأطفال واحتضان ذعرهم 

شاهدنا لحظة وصولنا إلى مراكز الإيواء أطفالا خائفة منعزلة, بعضهم حدثنا عن دوار في رأسه وكأن الزلزال لا يتوقف وطفل آخر أشار لنا إلى بناء منزله الذي راح ضحيته أباه وأمه, فحملنا هم إسعاد أولئك الأطفال باللعب معهم وتقديم الهدايا وتقديم أنشطة الدعم النفسي, أقمنا كرنفال للأطفال وقدمنا العديد من الأنشطة الترفيهية والتي تعتبر إحدى أنشطة الدعم النفسي إضافة إلى نشاط المسرح والتي تساعدهم على تحسين نفسيتهم والتغلب على لحظات الذعر التي شهدوها, أما الأطفال الذين لاحظنا عليهم أعراض صدمة ومشاكل نفسية حادة خصصنا لهم عناية خاصة ومتابعة لحالتهم على المدى الطويل كالجلسات الفردية والعديد من الأنشطة الأخرى. 

أذكر أني رأيت طفلا واقفا وعيناه مفتوحتان بشكل كبير يجول بنظره حول الأبنية المهدمة كان مصدوما جدا ويشعر بأن الزلزال لا يتوقف .

مساحة آمنة لأجلهنّ 

ركزنا بشكل أساسي على خصوصية النساء وتهيئ مساحة آمنة تمكنهم من التعبير على مخاوفهم آلامهم والمكان الجديد الذي يجب عليهم تقبله بعيدا عن الوسط الخارجي، لاحظتُ على النساء مشاكل أكثر من غيرهم فخوفهم لم يقتصر على أنفسهم، بل على صغارهم وكيف سيحموهم من كل هذه المأساة عملنا على الجلسات التوعوية التي تساعدهم على التكيف مع الوسط والتخفيف من معاناتهم. 

أنشطة خاصة بالأسرة 

قدمت جلسات خاصة ببرنامج المرونة للتعامل مع الكوارث للأسر، هذه الجلسات تمكن الأهل من التعرف على دورهم تجاه الأطفال أثناء الكوارث من خلال الزيارات للعوائل التي بدأناها مع أولى أيام الزلزال، أحد أكبر المشاكل التي كانت تعانيها تلك الأسر هو انفصال الأب عن العائلة فقد كانت مراكز الإيواء مقسمة إلى قسم خاص بالرجال وآخر بالنساء وأطفالهم.  

 العوائل المتضررة هم منا ونحن منهم فإن لم نقف بجانبهم في تلك اللحظات فلماذا هو وجودنا؟.

زينب من بعد الكارثة.. قصة بطولة ونجاح 

لم أتخيل نفسي يوما أني رغم الألم الذي أعيشه داخلي سأستطيع رسم البسمة على وجوه الأطفال ودعم ومساندة العوائل, كان كل شيء حولنا يروي لنا مأساة ومعاناة جديدة إلا أن دافع النهوض بمن كان أضعف مني أكبر من أستسلم للكارثة.  
 
بعد مرور شهر على الكارثة عاد التعليم للبدء من جديد وعدت للاختبارات مجددا, هذه المرة كانت مختلفة فقد كنت متألمة منهكة لم أستطع استجماع القوة اللازمة من أجل إكمال تعليمي حاولت كثيرا أن لا أفشل إلا أن أرواحنا كانت متعبة مما رأته وشهدته, كانت عودتنا للحياة كما قبل صعبة جدا إلا أن أيامنا مستمرة وعلينا أن نستجمع أنفسنا من أجل إكمال طريقنا, أنا الآن أدرس سنتي الأخيرة ما قبل التخرج وأكمل تعليمي بنجاح وامتياز, تعلمت من الزلزال أنه مهما كانت الظروف صعبة علينا أن نواجهها بالعمل يدا بيد وأن أسعى لتطوير نفسي وتعزيزها حتى أستطيع مواجهة كافة المواقف. 

 بعد مرور أيام طويلة على تلك الكارثة وفي ذات مرة كنت فيها أمشي في الشارع فجأة ركضت لعندي طفلة وقامت بحضني لم أتذكرها، ولكنها أخبرتني أنني جئت لعندهم في فترة الزلزال ولعبت معهم وأحضرت لهم الهدايا حينها سعدت جداً وشعرت فعلاً أني تركت أثرا جميلا ,

 

أمنية وحلم 

أتمنى أن ينتهي هذا العام وأنا محققة حلم التخرج الذي سعيت لأجله سنين، وأن لا أتواني لحظة عن تطوير نفسي ورفع مهاراتي في مجال الحماية حتى أستطيع دوما أن أصنع الفرق والتغيير.