إدلب- في صورة مغايرة عن التحديات المعيشية التي تواجه سكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، شمال غرب سوريا، وبعيداً عن مآسي التهجير وظروف المخيمات، تبرز قصص نساء سوريات، تجاوزن الواقع المعيشي بمشاريع اقتصادية خاصة.
الصيدلانية صفاء الموسى، التي تنحدر من مدينة طيبة الإمام بريف حماة الشمالي، واحدة من رائدات الأعمال في مناطق سيطرة المعارضة، شمال غربي البلاد، حيث يقطن نحو 6 ملايين نسمة، نصفهم تقريباً من الأطفال، وتشكل النساء نسبة 30% من العدد الكلي.
في عام 2012، اضطرت الموسى مغادرة مدينتها إلى تركيا، بعد أن تعرضت للملاحقة الأمنية من قوات النظام السوري، على خلفية نشاطها الإغاثي والطبي، ومشاركتها في المظاهرات السلمية.
وبعد عام من إقامتها في تركيا عادت إلى محافظة إدلب، التي أسست فيها لتستقر في محافظة إدلب. وأسست فيها مؤخراً “شركة رائدة متخصصة بصناعة مستحضرات طبية آمنة للعناية بالبشرة اعتماداً على البحث العلمي”، بمدينة بنش شرق إدلب، “وهو المشروع الأول من نوعه في المنطقة”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
تعود فكرة مشروعها إلى عام 2015، ولأجله “أجريت مجموعة من التجارب والبحوث العلمية، وتلقيت دورة علمية في قواعد التصنيع الجيدة، أقيمت بالتعاون بين الجامعة الهاشمية في الأردن ونقابة صيادلة إدلب”، بحسب قولها.
في أيار/ مايو 2023، وبعد عامين من العمل الدؤوب والمراجعات مع قسم الرقابة الدوائية والتراخيص في وزارة الصحة التابعة لحكومة الإنقاذ، افتتحت الموسى شركة “تيمول“، التي تنتج سبعة أصناف من الكريمات، وهي “أصناف متوافقة مع معايير مختبرات كلية الصيدلة في جامعة الشمال ومخابر وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ”، بحسب قولها، مشيرة إلى أن منتجاتها متوفرة في نحو سبعين صيدلية بشمال غرب سوريا.
وعدا عن الاستقرار الاقتصادي الذي يؤمنه المشروع لصاحبته، أوجد فرص عمل لخمسة أشخاص نازحين، ثلاثة نساء ورجلين، جميعهم “خضعوا لدورات تدريبية على كيفية التعامل مع القواعد العامة، بدءاً من كيفية التعامل مع المواد الكيميائية والطبية وقواعد الأمن والسلامة، وانتهاء بالتعبئة والتغليف والتوريد”، وفقاً للموسى.
على بعد 110 كيلومترات من مقر شركة “تيمول”، افتتحت شيماء هلال، 30 عاماً، محل “بيلبئلك” للاكسسوارات النسائية، بمدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي، برأس مال بسيط يتناسب مع إمكانياتها المحدودة، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
بمشروعها الصغير، حققت هلال، المهجرة من مدينة سراقب بريف إدلب مطلع عام 2020، شيئاً من اهتمامات الطفولة، قائلة: “عندي اهتمام منذ طفولتي بما يخص الأناقة ولوازم النساء”، وبعد عام من استقرار عائلتها في اعزاز أطلقت مشروعها الخاص، الذي “لاقى رواجاً واسعاً بين الزبائن”.
الفن “أرق” الأدوات و”أقواها” بيد نساء شمال غرب سوريا
في الأزمات والحروب، تتنوع أساليب التعبير عن الظروف والأحداث، وهذا ينطبق على الثورة السورية، التي برز فيها الفن، باعتباره “لغة تواصل عالمية” حاولت نساء استخدامها لإيصال رسائل إلى الشعوب أو التضامن مع قضاياهم.
بجهود ذاتية يكافح هواة في شمال غرب سوريا لنشر ثقافة “المسرح”
حتى يأخذ المسرح مكانته في شمال غرب سوريا، ويلعب دوره في التغيير لا بد من دعمه وتطويره، و”الانتقال به من مسرح ترفيهي إلى مسرح قادر على إيصال قضايا وهموم الناس”، في منطقة يعيش نحو ستة ملايين نسمة، بينهم أكثر من مليوني نازح.
جهود بنفسج في مجال الحماية والاستغلال.. من أجل بيئة آمنة للمستفيدين والموظفين
حصل قسم المساءلة والصون في منظمة بنفسج على شهادة شكر وتقدير من شبكة البيسيا (PSEA) ومُنحت هذه الشهادة تقديرًا لجهود استثنائية في تعزيز التواصل والمتابعة الرئيسية مع الشبكة بما يتعلق بشمال غرب سوريا.
في حضرة النزوح: الغسالة حلم نساء في مخيمات إدلب
لطالما كانت الغسالة من الأساسيات في بيوت السوريين، حتى في المناطق الأقل حظاً والأشد فقراً، إلا أن تداعيات الثورة السورية، التي اندلعت في ربيع 2011، من حصار وقطع الكهرباء عن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وانتهاءً بعمليات النزوح والتهجير جعلت من الغسالة حلماً بالنسبة للنساء اللواتي يتحملن مشقة الغسيل.
مواجهة التحديات
إلى جانب الصعوبات المشتركة بين النساء القاطنات في شمال غرب سوريا، تعاني شيماء هلال من إعاقة حركية، سببها “غياب عظمة الفخذ في قدمي اليمنى منذ الولادة”، بحسب قولها، لكن هذا لم يمنعها من المضي في حياتها كما تحب.
“تأقلمت مع حياتي بساق واحدة، بمساعدة الأهل وتحفيزهم لي منذ الصغر”، قالت هلال، مؤكدة أنه “لا شيء ينقصني، بما أن عكازتي معي، وهي شريكتي وسندي”.
بعد نزوحها إلى اعزاز، عملت هلال مع فرق وتجمعات تطوعية لمساعدة مثيلاتها من النازحات والنازحين، وفي هذه الأثناء “حصلتُ على مقعد في كلية التربية الخاصة بجامعة حلب الحرة، وكنت أخطط لإطلاق مشروعي الخاص”.
في البداية، واجه مشروع هلال بعض التحديات، من قبيل تأمين التمويل اللازم والوصول إلى الزبائن، لكنها تغلبت على ذلك بـ”استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، واختيار سلع جديدة تلبي احتياجات السوق المحلية، حتى صار محلي وجهة مفضلة للنساء الراغبات بشراء الإكسسوارات النسائية”، على حد قولها، مؤكدة أن “الإصرار أساس النجاح”.
من جهتها، تواجه صفاء الموسى تحديات أخرى، من قبيل “تذبذب سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار”، كون العملة التركية هي المعتمدة في التجارة بشمال غرب سوريا، إضافة إلى “ضعف القوة الشرائية لدى سكان المنطقة”، التي يقطنها أكثر من مليوني نازح داخلياً من العدد الإجمالي البالغ ستة ملايين نسمة.
إلى جانب ذلك “نعاني أحياناً من عدم توفر المواد الأولية الداخلة في التصنيع، ذات المنشأ الأجنبي، مع غياب وجود البديل في السوق المحلي”، بحسب الموسى، ناهيك عن “غياب السياسات الحكومية الفعالة لحماية المنتج المحلي”.
تمكين النساء
في كثير من الأحيان لا يكفي شغف النساء لإطلاق مشاريع اقتصادية من دون الحصول على دعم مالي من المنظمات الداعمة، وقد تقتل الظروف المعيشية وقلة ذات اليد أفكارهنّ في مهدها.
وفي ذلك، قالت هلال أن مشروعها لم يكن ليرى النور لولا حصولها على منحة مالية، قيمتها 1600 دولار أميركي، مقدمة من إحدى المنظمات الإنسانية المعنية بدعم المشاريع الصغيرة في شمال غرب سوريا، مشيرة إلى أنها لم تكن تملك أي مبلغ غير قيمة المنحة عند إطلاق مشروعها الخاص.
وتنشط في شمال غرب سوريا مجموعة من البرامج الخاصة بتمكين النساء اقتصادياً، سواء على صعيد تقديم منح مالية أو “تقديم تدريبات إدارية تسهم في بناء قدرات النساء ورفع سويتهن وتطوير مهاراتهن القيادية”، كما قال لـ”سوريا على طول”، أحمد قطيش، منسق برامج تمكين الشباب في منظمة بنفسج، منظمة إنسانية تنشط في شمال غرب سوريا.
عملت بنفسج على عدة مشاريع خاصة بتمكين المرأة اقتصادياً “من خلال تدريبات مهنية فردية وجماعية”، بهدف “تمكين المرأة السورية وتحقيق الاستقلال المالي لها”، بحسب قطيش، مشيراً إلى أن “نحو 450 امرأة، نازحات ومقيمات، استفدن من مشاريعنا المهنية، عبر منح لافتتاح مشاريع خاصة”، وهم “من أصل نحو 1200 امرأة استفدن من تدريباتنا المهنية”.
وبدورها، عملت منظمة صندوق حياة، صندوق يعمل بآلية التمويل الأصغر، على دعم عشرات السيدات في شمال غرب سوريا، بتقديم قروض لهن عبر “محفظة الكرامة”، وهي محفظة مخصصة للنساء المعيلات، كما قال محمد الحجي محمود، مدير مكتب المنظمة في ريف حلب الغربي.
وأوضح محمود في حديثه لـ”سوريا على طول” أن المنظمة “قدمت قروضاً تتراوح بين 600 و1200 دولار أميركي لـحوالي 300 سيدة، يتوزعن في جرابلس والأتارب بريف حلب، وحزانو وكللي ومعرة مصرين بريف إدلب، على أن يتم سداد القرض خلال 12 شهراً”.
وقبل التمويل تحصل النساء على “تدريبات مهنية في عدة مجالات، من قبيل: الخياطة، تصفيف الشعر، صناعة المؤونة، بيع الألبسة، والبقاليات الصغيرة”، لافتاً إلى أن 80% من النساء اللاتي حصلن على القرض مستمرات في مشاريعهنّ ويحققنَ اكتفاءً ذاتياً.
تحدي النساء السوريات للظروف الصعبة، ونجاحهن رغم الظروف المحيطة بهن “يعكس قوة إرادتهن، ويمثل برهاناً على إصرارهن العيش بكرامة لهن ولأسرهن”، من وجهة نظر الناشطة سناء العلي، معتبرة في حديثها لـ”سوريا على طول” أن مشاريع تدريب وتمكين المرأة في المنطقة “خطوة في غاية الأهمية”.
ومع تأكيدها على أهمية دعم المشاريع الصغيرة “كونها تحقق الاستقرار النساء”، أوصت هلال غيرها من المستفيدات بضرورة “الصدق والاستمرارية”، مشيرة إلى أن مشاريع بعض النساء تتوقف “بعد بيعهنّ موجودات المشروع، الذي اشترينه من مبلغ المنحة”.
تم إنتاج هذا التقرير كجزء من برنامج مراس، الذي تنفذه “سوريا على طول” بالتعاون مع منظمة بنفسج لتمكين الصحفيين والصحفيات في شمال غرب سوريا.