في حضرة النزوح: الغسالة حلم نساء في مخيمات إدلب

دير حسان- تستقبل سمر عبد الغفور الزبائن في دكانها بابتسامة وترحيب، على عكس ما تخفيه داخلها من ضجر بسبب مساومتها على الأسعار، لكنها تتمالك نفسها، كلما تذكرت سلة الغسيل في منزلها، على أمل أن تستطيع جمع مبلغ لشراء غسالة كهربائية معاناتها مع الغسيل اليدوي.

افتتحت عبد الغفور، 30 عاماً، دكاناً صغيراً بالقرب من مكان سكنها في أحد مخيمات قرية دير حسان بريف إدلب، تبيع فيه “أكياس البطاطا والمكسرات، وبعض مستلزمات النساء والأطفال”، لإعالة أطفالها الثلاثة، كون زوجها عاطل عن العمل، ولأجل تحقيق حلمها الذي اختزلته بـ”الغسالة”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

تكافح عشرات النساء، لا سيما النازحات في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، من أجل الحصول على غسالة، ويتبعنَ في سبيل ذلك وسائل مختلفة تتناسب مع ظروفهنّ لتأمين ثمنها، حيث يتراوح سعرها بين 80 و110 دولار أميركي بحسب جودتها. “سوريا على طول” تحدثت إلى عدد من النساء، بعضهن حققن أمانيهنّ بشراء غسالة، وأخريات يسعين من أجل ذلك، كما في حالة عبد الغفور.

لا يمكن حصر أعداد العائلات التي تعاني من عدم وجود غسالة، لكن 70% من سكان مخيم الأرض الطيبة، ببلدة صلوة القريبة من مدينة قاح بريف إدلب الشمالي، البالغ عددهم حوالي 400 عائلة ليس لديهم غسالات كهربائية، كما قال أبو الخير، مدير المخيم لـ”سوريا على طول”.

عندما يصبح غسيل الملابس همّاً

لطالما كانت الغسالة من الأساسيات في بيوت السوريين، حتى في المناطق الأقل حظاً والأشد فقراً، إلا أن تداعيات الثورة السورية، التي اندلعت في ربيع 2011، من حصار وقطع الكهرباء عن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وانتهاءً بعمليات النزوح والتهجير جعلت من الغسالة حلماً بالنسبة للنساء اللواتي يتحملن مشقة الغسيل.

بيان الوليد، 23 عاماً، تعيش مع عائلة زوجها في مخيم السلام بمدينة قاح في ريف إدلب الجنوبي، بعد تهجيرهم من قرية مدايا بريف إدلب الجنوبي، قبل ثلاثة سنوات ونصف، لأن زوجها “لم يستطع بناء منزل فأعطونا غرفة من بيتهم”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

مقابل ذلك، رُميت كل مهام المنزل “على كتفي، فأنا أخدم سبعة أشخاص، بما فيهم زوجي وأولادي الاثنين”. وفي ظل عدم وجود غسالة صار “الغسيل هماً”، إذ تشتكي الوليد من “آلام في الظهر وخشونة في اليدين من استخدام مواد التنظيف الكيماوية”، وكلما طلبت شراء غسالة يكون الجواب: “لا نملك ثمنها في الوقت الحالي”، بحسب قولها.

يعمل زوج الوليد في بيع وشراء الدراجات النارية، ولكنها لا تعود عليه بدخل ثابت، وكان قبل نزوحه يعمل في الزراعة بأرض العائلة إضافة إلى عمله في تجارة الدراجات النارية، وفقاً لها، مشيرة إلى أن منزلها، في قرية مدايا، كان مجهزاً بكامل الأدوات المنزلية، بما فيها الغسالة، لكنهم تركوا البيت بما فيه وخرجوا بملابسهم وبعض مقتنياتهم “هرباً من قصف النظام على المنطقة” آنذاك. 

الصبر من أجلها

في منزل مكون من غرفة ومطبخ، ومسقوف بعازل نايلون، تسكن عائشة مع زوجها وابنتيها في مخيم النهضة بدير حسان في ريف إدلب الشمالي، منذ أربعة أعوام، بعد خروجها من قرية اللطامنة بريف حماة الشمالي.

منذ نزوحها، تغسل عائشة ملابس العائلة يدوياً، إلى أن تمكنت بشراء غسالة ذات حوضين (غسيل وتنشيف)، أواخر عام 2022، بعد أن جمعت ثمنها من عملها في قطاف موسم الزيتون، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

ذهبت عائشة مع زوجها إلى قرية “دار كير” بريف عفرين، للعمل معه في قطاف الزيتون، ومن ثم عملوا في “العفارة”، وهي عملية جمع حبات الزيتون المتبقية في الشجر وفي الأرض بعد انتهاء أصحاب الأراضي من جني محاصيلهم.

كانت عائشة تستيقظ عند الرابعة فجرا، وكثيراً ما عانت من آلام في ظهرها، لكن “عندما كنت أتذكر معاناة الغسيل اليدوي في أيام الشتاء، كنت أقاوم الألم وأكمل عملي”. اشترت الغسالة بمبلغ 90 دولار أميركي، ومن شدة فرحتها “اشتريت الحلوى ووزعتها على صديقاتي”، على حد قولها.

أما مزنة خضر، 28 عاماً، انضمت إلى “جمعية” مع نساء أخريات في الحي الذي تقطنه، بحيث تدفع المشتركات مبلغاً مالياً شهرياً، وفي كل شهر تأخذ إحداهن إجمالي المبلغ. كانت تدفع 100 ليرة تركية شهرياً (4 دولار أميركي تقريباً بحسب سعر الصرف الحالي المقدر 26.94 ليرة تركية للدولار).

اشتراك الجمعية كانت توفره خضر من المبلغ المخصص لها من أخيها المقيم في تركيا، كما قالت لـ”سوريا على طول”، موضحة أنه كان يرسل لها شهرياً 200 ليرة تركية (ثمانية دولارات)، تنفق نصفها على مصاريفها وتدفع النصف الآخر للجمعية.

قبل وقوع زلزال السادس من شباط/ فبراير الماضي، اشترت خضر الغسالة، واصفة شعورها عندما استخدمتها لأول مرة “كأن جبلاً انزاح عن صدري، كنت أنتظر هذه اللحظة منذ أربع سنوات”.

ولأن لمى البري، 19 عاماً، لم تتمكن من تأمين ثمن غسالة جديدة، توجهت إلى أسواق المستعمل على وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن غسالة تناسب ميزانيتها، عاملة بالمثل الشعبي “الرمد أفضل من العمى”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

بعد زهاء شهرين وجدت “غسالة رخيصة معروضة على الفيسبوك، بلغت قيمتها 40 دولار أميركي”، أي نصف سعر الغسالة الجديدة، وبذلك أنهت معاناتها مع الغسيل اليدوي.

أكبر من ثمن الغسالة

مع أن ثمن الغسالة يشكل عائقاً أمام كثير من النساء النازحات في شمال غرب سوريا، المنطقة التي تضم أكثر من أربعة ملايين نسمة نصفهم نازحون، إلا أن وسائل تشغيل الغسالة تشكل عقبة أخرى أمام تحقيق حلم العديد منهن.

لتركيبِ منظومة طاقة شمسية يحتاج الشخص إلى لوح طاقة شمسية، ويتراوح سعره بين 25 و45 دولار، ورافع جهد بقيمة 26 دولار تقريباً، ودارة فصل بقيمة 15 دولار، إضافة إلى بطارية يتراوح سعرها بين 40 و100 دولار، ما يعني أن تأمين تكاليف منظومة الطاقة الشمسية يفوق ثمن الغسالة.

يعتمد العديد من سكان مناطق سيطرة المعارضة وهيئة تحرير الشام، شمال غرب سوريا، على الطاقة الشمسية لتشغيل الأدوات الكهربائية. قٌُدرت نسبة المعتمدين كلياً على الطاقة الشمسية في شمال غرب سوريا، في عام 2021، بنحو 8% من السكان، بينما عُشر السكان يستخدمونها لتوفير المياه الساخنة، وثلثهم يعتمدون عليها، كمصدر ثانوي، للحصول على الإضاءة شحن البطاريات.

نظراً لعدم قدرتهنّ على تأمين ثمن الغسالة أو منظومة الطاقة الكهربائية، اتبعت بعض النساء في المخيمات إلى أساليب تخفف عنهنّ عناء الغسيل اليدوي، ومن ذلك، استخدام الملابس ذات الألوان الغامقة للأولاد “كونه يمكن غسلها بمياه باردة مع استخدام سائل الجلي، على عكس الملابس البيضاء التي يتطلب تنظيفها مياه ساخنة ومساحيق خاص بالغسيل”، كما قالت منار الخطيب، سيدة مقيمة في مدينة كفر لوسين، لـ”سوريا على طول”، وهي من السيدات اللواتي لا يملكن غسالة.

في منزلها بقرية “الكركات” التابعة لمنطقة قلعة المضيق بريف حماة الشمالي، كانت أثاث الخطيب كاملاً، بما فيه الغسالة، لكن عندما هُجّرت قبل أربع سنوات لم تأخذ شيئاً من الأثاث “لأننا توقعنا أنها مجرد أيام قليلة ونعود”.

أما أم عمر، 40 عاماً، أم لخمسة أطفال، تنحدر من قرية تلمنس بريف إدلب، كان مسكنها في مكان نزوحها الحالي بمدينة كللي في ريف إدلب، المؤلف من خيمتين متلاصقتين، يحتوي على غسالة كهربائية، لكن باعتها، قبل عامين،  نتيجة مرورها بضائقة مالية، كما قالت لـ”سوريا على طول”. 

منذ ذلك الوقت، تغسل أم عمر ملابس العائلة يدوياً، الذي تزيد من معاناتها في فصل الشتاء، قائلة: “وعاء الماء خلال فصل الشتاء لا يفارق المدفأة عندما تكون مشتعلة، وكلما سخن الماء أغسل بعض قطع الملابس وأجففها يدوياً ثم أضعها على المنشرفوق المدفأة ذاتها”.

تقضي أم عمر حياتها بـ”الغسيل والتجفيف”، صيفاً وشتاء، لأن أطفالها صغاراً، ما يعني أنهم كثيرو استهلاك الملابس، ولا يمكنهم مساعدة أمهم بهذه المهمة.

تقضي سمر عبد الغفور يومها في دكانها الصغير على أمل توفير ثمن غسالة تخفف عنها شيئاً من المهام الملقاة على عاتقها، وربما يتحقق ذلك قريباً. لكن هذا الأمل يبدو بعيداً بالنسبة لأم عمر، التي لا يتسنى لها الخروج من المنزل للعمل أو حتى للزيارات، لأنها تقضي كامل يومها في رعاية صغارها والقيام بأعمالها المنزلية.

**

تم إنتاج هذا التقرير كجزء من برنامج مراس، الذي تنفذه “سوريا على طول” بالتعاون مع منظمة بنفسج، لتمكين الصحفيين والصحفيات في شمال غرب سوريا.

شارك المقال

اقرأ أيضاً

مقالات أخرى مشابهة