بجهود ذاتية يكافح هواة في شمال غرب سوريا لنشر ثقافة “المسرح”
حتى يأخذ المسرح مكانته في شمال غرب سوريا، ويلعب دوره في التغيير لا بد من دعمه وتطويره، و”الانتقال به من مسرح ترفيهي إلى مسرح قادر على إيصال قضايا وهموم الناس”، في منطقة يعيش نحو ستة ملايين نسمة، بينهم أكثر من مليوني نازح.
إدلب- “نحن أين وأنتم أين” بهذه الكلمات ينتقد العديد من سكان شمال غرب سوريا عمل المسرحيين، حيث يُعدّ “المسرح” آخر اهتمامات المدنيين، كما قال المخرج المسرحي شعبان العثمان لـ”سوريا على طول”.
يتفهم العثمان وفرقته “الضائقة الفنية التي تعاني منها المنطقة” بسبب تردي الأوضاع المعيشية. إذ يعيش أكثر من ستة ملايين نسمة في شمال غرب سوريا، 49.32% منهم نازحين، بينهم أكثر من مليوني شخص في المخيمات، بحسب أرقام صادرة عن فريق منسقو استجابة سوريا، وهي منظمة سورية غير ربحية تعمل في مجال الاستجابة الإنسانية.
ومع ذلك، أسس العثمان ومجموعة من الشباب “فريق بصمة حرية المسرحي”، أواخر عام 2020، في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، وعرضوا عدة أعمال مسرحية، لتضاف إلى تجارب مسرحية أخرى “خجولة” أخرى شهدتها المنطقة في السنوات السابقة.
تخرج شعبان العثمان من قسم التمثيل في معهد أورنينا للفنون المسرحية بدمشق، عام 2010، وهو مدير فريق بصمة حرية المسرحي. أنتج الفريق وعرض منذ تأسيسه مجموعة من المسرحيات، منها: مسرحية “كوفيد جامعي”، وهي “باكورة أعمال فريقنا، تناولت قضايا الطلاب وهمومهم”، بحسب العثمان، إضافة إلى أعمال أخرى، من قبيل: “كرسي مع وقف التنفيذ”، التي تتحدث عن الاستبداد، ومسرحية السلطان محمد الفاتح، وهو أحد سلاطين الدولة العثمانية.
يتكون فريق بصمة حرية المسرحي من 15 عضواً، جميعهم هواة “جمعهم الشغف”، باستثناء مدير الفريق العثمان الذي دخل عالم المسرح من الباب الأكاديمي، وينحدر جميع أعضاء الفريق من عدة مناطق في شمال غرب سوريا،
يعمل “بصمة حرية” بجهود ذاتية، ويحاول تنمية إمكانيات كوادره التمثيلية من خلال “التدريبات التي نقيمها في جامعة حلب أو المركز الثقافي في مدينة اعزاز، أو مركز يونس إمرة [مركز ثقافي تركي]”، بحسب العثمان، مشيراً إلى أن “جميع المسرحيات التي نقدمها هي من كتابات المتطوعين ضمن الفريق”.
يحاول العثمان استقطاب مزيد من المشاركين لتعزيز فريقه، لكن غالباً ما يبدي الذكور رغبة في الانضمام على عكس الإناث “اللاتي يواجهن عقبات للدخول إلى هذا المجال بسبب النظرة المجتمعية”.
“خيال الظل”
كان وليد أبو راشد، الذي ينحدر من مدينة سراقب بريف إدلب، مولعاً بالمسرح منذ صغره، لكن انخراطه في الحراك المدني، بعد اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011 حرمه من دخول المسرح من باب التعليم الأكاديمي.
في عام 2013، بدأ أبو راشد بتطوير موهبته المسرحية وأدواته “بالمشاركة في دورة إعداد ممثل مع أمل عمران عبر السكايب”، وكذلك من خلال التواصل مع أكاديميين وفنانين سوريين، مثل الفنان السوري نوار بلبل “الذي اكتسبت منه خبرة حول النصوص وطريقة الكتابة”، كما قال أبو راشد لـ”سوريا على طول”، من مكان إقامته الحالي في فرنسا.
بدأ أبو راشد مشواره المسرحي، عام 2017، بمبادرة “مسرح الحارة”، معتمداً على لوح خشبي وبعض الدمى، لتقديم عروض مسرحية لأطفال إدلب، ومن ثم تبنى فكرة مسرح “خيال الظل”، اقتداء بالفنان المعتقل زكي كورديللو وتذكيراً باسمه، الذي اعتقل على يد قوات النظام السوري عام 2012، وهو الفنان المكلف بحمل مسؤولية الحفاظ على مسرح “خيال الظل” في سوريا، بعد موت عبد الرزاق الذهبي المعروف بأنه “آخر المخايلة”.
مسرح “خيال الظل” أو دمى خيال الظل هو شكل من أشكال الفنون التقليدية في مدينة دمشق، وغالباً ما يستخدم هذا الفن لنقد المجتمع بصورة فكاهية ساخرة، بحيث توازن المسرحيات بأسلوب غير مباشر بين ما كان وما هو كائن وما ينبغي أن يكون في حياة الناس وعلاقاتهم مع بعضهم أو مع أولياء أمورهم. في أواخر عام 2018، أدرجت اليونسكو مسرح “خيال الظل” إلى قائمتها للنشاطات الثقافية.
في عام 2020، ترك أبو راشد أحلامه في تحسين واقع المسرح بشمال غرب سوريا، متجهاً إلى تركيا، بعد سيطرة قوات النظام على مدينة سراقب، مسقط رأسه، ومن ثم انتقل إلى فرنسا في عام 2022، حيث يقيم الآن، بعد أن غادر تركيا.
يستذكر أبو راشد آخر العروض المسرحية، خلال الحملات العسكرية للنظام على ريف إدلب الجنوبي أواخر عام 2019، حيث كان ينقل منصة المسرح من ملجأ إلى آخر، ليقدم العروض للأطفال في الملاجئ، مشيراً إلى أن “فكرة العرض في الملاجئ كانت من اقتراح الأطفال، الذين يشاركون معي تنفيذ المسرحيات”.
من مكان لجوئه في فرنسا، يتابع أبو راشد شغفه بالمسرح، معبراً عن حزنه “لعدم قدرتي على مواصلة تقديم العروض المسرحية لأبناء بلدي في الداخل”، بحسب قوله.
باب للدعم النفسي
رغم الانتقادات الموجهة للمسرحيين في شمال غرب سوريا، بذريعة أن المسرح لا يندرج على سلم أولويات سكان المنطقة، يقدم المسرحيون العديد من العروض المسرحية التي تستهدف الأطفال في المنطقة، لا سيما أطفال المخيمات المحرومين من الكثير من حقوقهم، بهدف الترويح عنهم.
ومن أجل ذلك، قدم فراس الأحمد، 40 عاماً، وهو كاتب وممثل مسرحي، العديد من العروض المسرحية في المخيمات “غالبيتها تحمل طابع الدعم النفسي”، كما قال لـ”سوريا على طول”، رافضاً الآراء التي تقلل من شأن المسرح في زمن الحروف، كونها “تخفف نفسياً عن الأطفال المحرومين من أبسط حقوقهم، والمهجرين من منازلهم”.
تواجه الأحمد الكثير من الصعوبات الخاصة بتنظيم العروض المسرحية في المخيمات، غالبيتها مرتبط بضعف الدعم المادي، موضحاً أن “استمرار العروض وتأمين اللوجستيات يحتاج إلى الدعم، وضعفه يحد من العروض وإمكانية التحرك”، على حسب قوله.
اتفق عدد من المسرحيين الذين تحدثوا لـ”سوريا على طول” مع الأحمد فيما يخص ضعف التمويل، مشددين على أن التمويل هو الأساس لاستمرار أعمالهم المسرحية وتطوير مهاراتهم وتعزيز فكرة في وجوده في مجتمع عانى من ويلات الحرب.
وفي ذلك، قال وليد أبو راشد أنه خسر معداته المستخدمة في العروض المسرحية بعد سيطرة النظام على مدينته لأنه لم يستطع نقلها خارج المدينة، “ولم أستطع لاحقاً تأمين غيرها”. ناهيك عن أنه كان يعمل “بصيانة وترميم المنازل لتأمين لقمة العيش ودعم مسرحي والعمل على تطوير المعدات المستخدمة في العروض”، مؤكداً أنه لم يتلق إلا دعم بسيط جداً من إحدى المنظمات لقاء تقديم مسرحيات لأطفال المخيمات.
الحال نفسه بالنسبة لفريق بصمة حرية المسرحي، الذي لا يحصل على دعم أو تمويل من قبل أي جهة، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، ما يدفع أعضاء الفريق إلى العمل في مهن مختلفة لتأمين معيشتهم، رغم أن “غالبية أعضاء الفريق طلبة جامعات أو متخرجين حديثاً، وهم أحوج ما يكونون للدعم المادي في هذه المرحلة”، بحسب العثمان.
ولتخطي العقبة المالية “يلجأ الفريق إلى عقد شراكات مع منظمات وفرق وجمعيات ومؤسسات محلية، من خلال هذه الشراكات يمكن تأمين تكاليف العروض واللوجستيات التي نحتاجها”، بحسب العثمان.
ومن التحديات التي تواجه “بصمة حرية” أيضاً توزع سكن أعضاء الفريق في عدد من مدن وبلدات ريف حلب الشمالي، وبعد المسافة بين أماكن سكناهم ومركز الفريق في مدينة اعزاز، وأيضاً التزام الأعضاء بأعمال أخرى أو بدراستهم الجامعية وهو ما “يؤثر على تنسيق التدريبات والبروفات التي نجريها”، وفقاً للشعبان.
تأثير المسرح على الشارع
عادة، يلعب المسرح تأثير كبير في الرأي العام، عبر طرح قضايا تهم المجتمع، ولكن بما أن المجتمع في شمال غرب سوريا يعاني من حالة الصراع، التي تبدو آثارها واضحة على الأهالي، لذا فإن تأثير المسرح قد يكون محدوداً على شريحة واسعة من سكان المنطقة، ناهيك عن أن فئة قليلة في المنطقة تؤمن حالياً بأن المسرح أداة تغيير إذا ما تم استخدامه بالطريقة المثلى.
وفي ذلك، قالت رجاء شبيب، عاملة في مجال الإرشاد والدعم النفسي، أنه “يمكن للمسرح إحداث ضجة إذا كانت الفكرة تحاكي موضوعاً مهماً بالنسبة لشريحة معينة في المجتمع أو تعالج قضية عامة”، مبدية اهتمامها بـ”المسرح”، حيث تحضر غالبية العروض المسرحية في المنطقة، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
اتفق أبو راشد مع شبيب في أن “المسرح يجب أن يحاكي الواقع الذي يعيشه سكان في شمال غرب سوريا حتى يلعب دوره في التأثير”، لكن في الواقع “العديد من العروض المسرحية في هذه المنطقة هي عبارة عن عروض ترفيهية للضحك لا أكثر”، مشدداً على أن “مهمة المسرح التغيير وليس الترفيه فقط”.
حتى يأخذ المسرح مكانته، ويلعب دوره في التغيير لا بد من دعمه وتطويره، و”الانتقال به من مسرح ترفيهي إلى مسرح قادر على إيصال قضايا وهموم الناس”، بحسب العثمان.
**
تم إنتاج هذا التقرير كجزء من برنامج مراس، الذي تنفذه “سوريا على طول” بالتعاون مع منظمة بنفسج لتمكين الصحفيين والصحفيات في شمال غرب سوريا.
رابط المقال هنا
زلزال فبراير.. ذكرى مؤلمة وقصة ملهمة
تعرضت مناطق شمال غرب سوريا إلى زلزال مدمر في العام الماضي، ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني سوءا، تروي لنا زينب أحد الشاهدين على الكارثة قصص الألم ومأساة العوائل لنتعلم منها القوة ومعنى النجاح
بنفسج وعام 2023!
عام الفخر! كيف كان عام 2023 بالنسبة لبنفسج في جولة مصورة، يأخذكم قسم الإعلام والتواصل في بنفسج حول أبرز المنجزات التي حققناها خلال عام 2023. سنستعرض معكم أهم المحطات والأعمال التي قمنا بها، ونسلط الضوء على مخرجاتنا وكيف استجبنا لكارثة زلزال 6 فبراير. كما سنلقي نظرة...آمال معلقة وجهود ضعيفة: متضررو زلزال شمال سوريا عاجزون عن ترميم منازلهم
بعد مضي نحو ثمانية أشهر على وقوع الزلزال المدمر، الذي أدى إلى تشريد نحو 130 ألف شخص في سوريا، لم تعد الاستجابة لتداعيات الزلزال أولوية بالنسبة للمنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام، من وجهة نظر المتضررين، رغم أن معاناتهم مستمرة.
الفن “أرق” الأدوات و”أقواها” بيد نساء شمال غرب سوريا
في الأزمات والحروب، تتنوع أساليب التعبير عن الظروف والأحداث، وهذا ينطبق على الثورة السورية، التي برز فيها الفن، باعتباره “لغة تواصل عالمية” حاولت نساء استخدامها لإيصال رسائل إلى الشعوب أو التضامن مع قضاياهم.
نماذج رائدة: سوريات يؤسسن مشاريع اقتصادية شمال غربي البلاد
في صورة مغايرة عن التحديات المعيشية التي تواجه سكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، شمال غرب سوريا، وبعيداً عن مآسي التهجير وظروف المخيمات، تبرز قصص نساء سوريات، تجاوزن الواقع المعيشي بمشاريع اقتصادية خاصة.