بعد مضي نحو ثمانية أشهر على وقوع الزلزال المدمر، الذي أدى إلى تشريد نحو 130 ألف شخص في سوريا، لم تعد الاستجابة لتداعيات الزلزال أولوية بالنسبة للمنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام، من وجهة نظر المتضررين، رغم أن معاناتهم مستمرة.
إدلب- في جلسة أشبه ما تكون بـ”ورد يومي” لا يمكن أن يبدأ يومه من دونها، يقلب نور أكتع، 25 عاماً، من مكان عمله الجديد، في مدينة سلقين بريف إدلب، الصور المحفوظة في هاتفه المحمول، لمنزله وصالون الحلاقة الخاص به، قبل أن يدمرهما زلزال السادس من شباط/ فبراير 2023.
بغصة، يسترجع ذكرياته مع منزل العائلة، المكون من أربعة طوابق ويضم صالون الحلاقة القديم، قبل أن يحوّل الزلزال المدمر المكان إلى ركام، في واقعة حصدت أرواح آلاف الضحايا في شمال غرب سوريا وجنوب تركيا، بما فيهم والده.
بعد مضي نحو ثمانية أشهر على وقوع الزلزال المدمر، الذي بلغت قوته 7.7 درجة، وأدى إلى مقتل أكثر من 53 ألف شخص وتشريد عشرات الآلاف في البلدين المجاورين، لم تعد الاستجابة لتداعيات الزلزال في سوريا أولوية بالنسبة للمنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام، من وجهة نظر المتضررين، رغم أن معاناتهم مستمرة، كما قال أكتع لـ”سوريا على طول”.
بعد ثلاثة أشهر من وقوع الزلزال، سكن خلالها مع والدته وشقيقته في مراكز إيواء مؤقتة، اضطر أكتع إلى “استئجار منزل في سلقين من أحد أقاربنا، بأجرة شهرية مقدارها 40 دولاراً، وهذه الأجرة بعد التخفيض”، بحسب أكتع، مشيراً إلى أن “أجرة المنزل الحقيقية أكثر من ذلك”، ليتحمل أعباء مادية لم يكن يفكر بها قبل ذاك اليوم الذي يعتبره “من أسوأ أيام حياتي”، على حد وصفه.
المعاناة مستمرة
عاش المتضرّرون من الزلزال، في الأشهر الأولى، على أمل أن تتحمل السلطات المحلية أو المنظمات الإنسانية مسؤولية ترميم وإعادة إعمار منازلهم، على غرار دعم الحكومة التركية لمواطنيها، لكن حتى الآن لا ترقى المشاريع لحجم الكارثة، كما قال عدد من المتضررين لـ”سوريا على طول”، مطالبين حكومة الإنقاذ والمنظمات بوضع حد لمعاناتهم المستمرة منذ وقوع الزلزال.
كان حجم الضرر في عموم في شمال غرب سوريا أكبر من ذلك. إذ بحسب تقرير فريق منسقو استجابة سوريا، الصادر في نيسان/ أبريل الماضي، تضررت 334,821 عائلة من الزلزال، بعدد أفراد تجاوز 1.8 مليون نسمة، ما أدى إلى نزوح 48 ألف عائلة، بعدد أفراد أكثر من 311 ألف، يشكل الأطفال والنساء والحالات الخاصة منهم 67%.
وبلغ عدد المباني المهدمة أثناء الزلزال بشكل فوري، 2171 مبنى، وعدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للتدعيم، 5344 مبنى، ترواح تقييمها بين أضرار جسيمة ومباني مطلوب هدمها بشكل عاجل، فيما بلغ عدد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة 14844، وهي مصنفة بأنها مباني ذات أضرار متوسطة، بحسب تقرير “منسقو الاستجابة”.
أعباء تفوق الإمكانيات
تضرر منزل أنسام الخالد، 33 عاماً، في بلدة باريشا بريف إدلب، كلياً، ما دفعها إلى الانتقال للعيش في أحد مراكز الإيواء المؤقتة، المخصصة للمتضررين من الزلزال، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”، السيدة المهجرة من مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، والأم لثلاثة أطفال.
ومع أن الخالد تعمل معلمة في إحدى مدارس المنطقة، براتب شهري مقداره 150 دولار، إلا أن الراتب “لا يكفي لتغطية احتياجات العائلية الأساسية، لذلك كان خيار النزوح إلى المخيم أفضل بالنسبة لي من استئجار منزل على حسابي الخاص”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.
أما خيار ترميم منزلها على نفقتها الخاصة فهو “ضرب من المحال”، لأن “تكاليف ترميمه تتجاوز ألف دولار”، بحسب الخالد، مشيرة إلى أن الفرق الهندسية المختصة بتقييم الأضرار صنفت منزلها على أنه “لا يصلح للسكن قبل ترميمه”.
وتتراوح قيمة إيجارات المنازل بين 30 و200 دولار أميركي، كما قال رائد الخطيب، صاحب أحد المكاتب العقارية في مدينة إدلب، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن “أسعار الإيجارات ترتفع في المدن والقرى التي لم تشهد بنيتها التحتية أضراراً بفعل الزلزال، أو كانت نسبة الأضرار فيها أقل من غيرها”.
في مدينة إدلب، وهي من المناطق الأقل تضرراً بزلزال شباط/ فبراير، “ارتفعت قيمة الإيجارات بنسبة 50%”، وفقاً للخطيب ، مرجعاً ذلك إلى كثرة الطلب “في المدينة كون نسبة الأضرار فيها قليلة، وجشع بعض مالكي المنازل”، على حد قوله.
أيضاً، ارتفعت أسعار مواد البناء بعد حدوث الزلزال، كما قال أحمد كرمو، صاحب ورشة بنان في بلدة باريشا بريف إدلب، إحدى البلدات المتضررة من الزلزال، لافتاً إلى ارتفاع سعر طن الإسمنت إلى 120 دولار، بارتفاع مقداره 25 دولار، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.
وأوضح كرمو أن “حركة إعادة ترميم المنازل المتضررة، من قبل أصحابها، ما تزال ضعيفة”، رغم مرور نحو ثمانية أشهر على حدوث الزلزال.
جهود خجولة
عملت حكومة الإنقاذ على إعادة تسكين ألفي عائلة من أصل 64 ألف عائلة متضررة، بحسب عمار النجار، مدير مديرية شؤون متضرري الزلزال، مشيراً إلى أنه “أعيد تسكين 400 عائلة في مخيمات مسبقة الصنع (كرفانات)، و1600 في مساكن بيتونية”.
إلى جانب الأعداد التي “أعيد تسكينها” من “الإنقاذ”، أوجدت منظمات إنسانية مساكن بديلة للعديد من العائلات، من قبيل جمعية التعاون الخيرية، التي “شيدت 70 كتلة اسمنتية، مساحة كل منها 16 متر مربع، لإيواء العائلات الأكثر تضرراً ممن دمرت منازلها بشكل كامل، أو التي لديها أشخاصاً من ذوي الإعاقة”، قالت أنسام الخالد، وهي إحدى المستفيدات من المشروع.
وبدورها، أعادت منظمة بنفسج الإنسانية 23 عائلة إلى منازلها في ريف إدلب الغربي، بعد انتهاء مشروع ترميم منازلها المتضررة، كما أوضح أحمد قطيش، منسق مشاريع الإستجابة الطارئة في إدلب لـ”سوريا على طول”.
وأشار قطيش إلى أن المنظمة “نفذت العديد من المشاريع ذات الصلة بإعادة ترميم المناطق المتضررة من الزلزال بهدف دعم العائلات المتضررة”، منها ضمن مشروع النقد مقابل العمل، الذي تعمل عليه المنظمة منذ سنوات، إذ عمدت “بنفسج” إلى “تشغيل المستفيدين من هذا المشروع في إزالة وترحيل الأنقاض، وإعادة ترميم المرافق الحيوية والعامة. ومن ذلك، تأهيل مخبز أطمة المتضرر وإعادة تأهيل شبكات المياه لدعم المزارعين في مدينة سلقين”، ناهيك عن “مشاريع ترميم المنازل الأكثر تضرراً”.
ورداً على تراجع اهتمام دور الجهات المعنية بدعم المتضررين من الزلزال، قال عمار النجار، مدير مديرية شؤون المتضررين في حكومة الإنقاذ أن “أعمال تشييد وبناء الكتل الاسمنتية مع يزال مستمراً”، كما أن “الفرق المختصة مستمرة في عمليات الإحصاء والتحقيقات الميدانية للمناطق المتضررة”.
وأوضح النجار أن حكومته تستكمل مشاريع بناء الوحدات الإسمنتية بالتعاون مع الشركاء الإنسانيين في بلدة كفرجالس بريف إدلب الشمالي، ضمن مشروعين، الأول: بناء 500 شقة ضمن بناء طابقي واحد، أما الثاني بناء 500 شقة ضمن بناء من طابقين و156 شقة ضمن بناء مؤلف من ثلاث طوابق، متوقعاً أن يتم تسكين العائلات المتضررة، التي لم تشملها الخطة الأولى، نهاية العام الحالي.
لا يعرف نور الأكتع إن كان سيحظى بدعم يتمثل بإيجاد سكن بديل له أو ترميم منزله المدمر، مؤكداً أنه غير قادر على الترميم على نفقته أو شراء منزل جديد، لأن ما يجنيه لقاء عمله في صالون الحلاقة 200 ليرة تركية يومياً (سبعة دولارات تقريباً)، “وهو مبلغ لا يكفي تأمين احتياجاتنا الأساسية” على حد قوله، وربما لم يكن بمقدوره استئجار منزل لولا حصل عليه بسعر مخفض من أحد أقاربه.
تم إنتاج هذا التقرير كجزء من برنامج مراس، الذي تنفذه “سوريا على طول” بالتعاون مع منظمة بنفسج لتمكين الصحفيين والصحفيات في شمال غرب سوريا.
رابط المقال الأصلي
زلزال فبراير.. ذكرى مؤلمة وقصة ملهمة
تعرضت مناطق شمال غرب سوريا إلى زلزال مدمر في العام الماضي، ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني سوءا، تروي لنا زينب أحد الشاهدين على الكارثة قصص الألم ومأساة العوائل لنتعلم منها القوة ومعنى النجاح
بنفسج وعام 2023!
عام الفخر! كيف كان عام 2023 بالنسبة لبنفسج في جولة مصورة، يأخذكم قسم الإعلام والتواصل في بنفسج حول أبرز المنجزات التي حققناها خلال عام 2023. سنستعرض معكم أهم المحطات والأعمال التي قمنا بها، ونسلط الضوء على مخرجاتنا وكيف استجبنا لكارثة زلزال 6 فبراير. كما سنلقي نظرة...الفن “أرق” الأدوات و”أقواها” بيد نساء شمال غرب سوريا
في الأزمات والحروب، تتنوع أساليب التعبير عن الظروف والأحداث، وهذا ينطبق على الثورة السورية، التي برز فيها الفن، باعتباره “لغة تواصل عالمية” حاولت نساء استخدامها لإيصال رسائل إلى الشعوب أو التضامن مع قضاياهم.
بجهود ذاتية يكافح هواة في شمال غرب سوريا لنشر ثقافة “المسرح”
حتى يأخذ المسرح مكانته في شمال غرب سوريا، ويلعب دوره في التغيير لا بد من دعمه وتطويره، و”الانتقال به من مسرح ترفيهي إلى مسرح قادر على إيصال قضايا وهموم الناس”، في منطقة يعيش نحو ستة ملايين نسمة، بينهم أكثر من مليوني نازح.