في يومهم العالمي، قصصٌ بطولية يخطّها المتطوعين

 

ارتبطت البطولة منذ طفولتنا وعبر الأجيال الممتدة بأسماء الأبطال الخارقين وقصصهم التي تتجاوز الخيال؛ الرجل الحديدي، سوبرمان، باباي. إلّا أنّ نظرة خاطفةً للواقع تكشف لنا عن أبطالٍ آخرين لم نراهم على شاشات التلفاز والسينما، لكنهم موجودون دائماً، حاضرون في الميدان عند النداء الأول، لا لشيء سوى من أجل الإنسانية، حيث شغفٌ لا ينضب وعطاءٌ لا حدود له بدون انتظارٍ أي مقابل.

في الخامس من كانون الأول ديسمبر تحتفل الأمم المتحدة كل عام باليوم الدولي للمتطوعين، حيث يحتفي العالم بجهود الشباب ويحتفل بإنجازات المتطوعين، ودعت الجمعية العامة للأمم المتحدة الحكومات إلى الاحتفال سنوياً بمناسبة اليوم الدولي للمتطوعين من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء المجتمع للمرة الأولى في كانون الأول | ديسمبر  من العام 1985. يُعد هذا اليوم فرصةً فريدة لتكريم المتطوعين والمتطوعات في أوساط مجتمعاتهم المحلية والسلطات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، تقديراً وامتناناً لجهودهم في الخدمة المجتمعية والمبادرة الإنسانية.  


رحلة فريدة، لاتعود منها كما كنت!

يشكّل اليوم العالمي للمتطوعين مناسبة خاصة لتسليط الضوء على الأثر الإيجابي الذي يمكن أن يتركه التطوع على الصعيدين الفردي والجماعي. ومما لاشكّ فيه أن التطوع ليس مجرد فعل بسيط أو مبادرة فردية، بل هو ركيزةٌ أساسية في بناء مجتمع يتّسم بالتعاون والتكافل الاجتماعي ويؤمن بالتغيير والتحسين المستمر. 
تذكر الإحصائيات أن العدد الإجمالي للمتطوعين من سن 15 فما فوق يبلغ شهرياً مايزيد عن 862.4 مليون متطوع في جميع أنحاء العالم. لكل متطوع منهم غايته الخاصّة وهدفه الشخصيّ لكن جمعتهم روح الإيجابية المجتمعية وطموح للتغيير. 

على المستوى الفردي؛ يعزّز العمل التطوعي قيم الإحسان والتراحم والشعور بالغير والعطاء دون مقابل في نفوس المتطوعين، فترى الإنسانية في مشاهد نقيّة دون تزييف أو تشويه. وتنعكس تلك التجربة الإنسانية بشعور راسخ بالانتماء والقيمة الحقيقة في هذه الحياة، فبمقدار عطائك وإحسانك تجد نصيبك من مشاعر الامتنان والفخر التي تعزز قيمتك كفرد مؤثر في المجتمع وجزء نافع من هذا العالم الواسع. كما أن التطوع يلعب دوراً بارزاً في بناء وتطوير المهارات بشتّى المجالات، الشخصي منها كالقيادة والتنظيم وحل المشكلات والتفاوض، والعملي كذلك كإدارة المشاريع وتنظيم الفعاليات والصيانة والحياكة والرسم.وبطبيعة الحال هذا النمو الشخصي سيرافقه تعمّق في المعرفة ومرونة في التفكير فيجد الشخص نفسه منفتحاً ومتقبلاً وسهل التأقلم مع جميع الظروف والتحديات.
ومن زاوية أخرى، تحمل تجربة العمل التطوعي في طياتها مفاتيح الصحة النفسية والتوازن الداخلي، فهذه التجربة الإنسانية تعود بالإنسان إلى الفطرة الخيّرة المتأصلة فيه فيجد معاني الطمأنينة والسكينة، لذلك يوصي المعالجون والأخصائيون النفسيون باختلاف المدارس النفسية التي يتبنونها مراجعيهم الذين يعانون من الاكتئاب الحاد أو القلق بالخدمة الاجتماعية التطوعية كأحد تقنيات التعافي النفسي. حسب الدراسات يرجع ذلك إلى كيفية استجابة الدماغ لتجربة العمل التطوعي حيث يفرز هرمونات مثل الدوبامين و السيروتونين، التي تعزز المزاج الجيد وتكون سبباً مباشراً في مستويات أعلى للسعادة وهذا مايمنحهم إحساس إيجابي بتقدير الذات ومستوى أعلى من التعاطف والرحمة.
وتذكر دراسة لأكسفورد أكاديمي أن الآثار الإيجابية لتجربة التطوع تتجاوز سنين الشباب، حيث أظهر الأشخاص الذي انخرطوا في تجارب تطوعية خلال فترة شبابهم رضا أفضل عن حياتهم، ومستوى أقل من الاكتئاب وحتى سنوات عمر أطول.

 

على المستوى المجتمعي؛ يحفزّ التطوع العقلية الجمعية فترى الأفراد يتحولون إلى تنظيمات ومجتمعات صغيرة تسعى للتشبيك دائماً في سبيل خدمة المجتمع الأكبر، تسقط الأنا في ميدان المبادرة الاجتماعية فترى المتطوعين يخرجون من دائرة العجز والأنانية والاستهلاك الفردي يتسّلحون بالخير المتأصّل فيهم مدعومين بابتسامات ودعوات ومشاعر عميقة من الامتنان تحاوطهم، فتراهم ينهون مشروعاً ويبادرون بآخر، يسلّمون مهاماًويستلمون ما بعدها، فتسمو روح المبادرة وتنمو المهارات القيادية لتبدأ مشواراً جديداً من العطاء والتفاني تتشارك فيه الأفكار، تلتحم الجهود وتجتمع الطاقات لنرى مشاريع عظيمة لم تكن لتصل لها يد لوحدها. هذا الجهد الجماعي يحسّن بلاشك من جودة الحياة في المجتمعات المحلية، حيث يلعب الأفراد الدور الأهم كصلة وصل واعية ورحيمة بين المنظمات والمجتمعات المحلية، يحققون بذلك مثلث التفاعل بين المؤسسات -المتطوعين- المجتمعات المحلية فتنشأ بيئة مثالية يساهم فيها الجميع وفق إمكانياتهم ومسؤولياتهم. فترى المتطوعين أولاد هذا المجتمع يلعبون الدور الحسّاس في فهمه وإدراك احتياجاته، فيمنحون المشاريع بعداً مستداماً يتم فيه الحفاظ على الموارد من الضياع والاستنزاف بغير مكانها، بذلك يمكن للمجتمع أن يحقق توازناً بين احتياجاته الحالية واحتياجات الأجيال القادمة.


بنفسج، للإنسانية أبناؤها وأبطالها
في المشهد السوري غالباً ماتغيب المؤشرات الإيجابية مع غياب الحلول المستدامة وبوادر الاستقرار، لكن الشباب السوري يصرّون على رسم ملامح مشرقة لمستقبل بلادهم بأيديهم، مع سنوات الحرب الأخيرة والكارثة الإنسانية التي شهدها السوريين تجد الشباب السوري حاضراً بقوة في ميدان التطوع، متمسكاً بقيم التكافل والتعاطف والإنسانية، في هذا السياق سعت بنفسج لإيجاد بيئات محفزّة تجمع المتطوعين وتشاركهم رحلتهم لأجل خدمة الإنسان، فتقدّم الدعم بشتى أنواعه وعلى كافة المستويات.
هانحن نحتفل في اليوم العالمي للمتطوعين بإتمام متطوعينا مايزيد عن 49517 ساعة تطوعية في بنفسج، مايقارب الخمسة آلاف ساعة مرّت بين مشاريع التعليم والصحة والحماية والإسعاف، بالإضافة لأعمال الطوارئ، مشاريع المواد الغير غذائية، برامج المياه والإصحاح البيئي ولأن رؤيتنا في بنفسج لا تقتصر على الاستجابة الطارئة وتوفير الاحتياجات الأساسية بل نسعى إلى تحقيق رؤية مستدامة فكان لبرامج التنمية والتمكين الشبابي نصيب من جهد متطوعينا كذلك.

 

وأخيراً، أعظم ما قد يقدمه الإنسان لنفسه هو أن يمدّ يد الإحسان والرحمة في الأيام الصعبة قبل الهيّنة، وفي العسر قبل اليسر، ووقت الشدّة قبل الرخاء، وأن يكون عوناً لمن استطاع، بلسماً أينما كان. ولذا في اليوم العالمي للمتطوعين لا ننسى بأن لا يقتصر الخير والأمل على دوائرنا الضيقة، بل وأن يتسع لأقصى بقاع الأرض مااستطعنا!

شارك المقال

اقرأ أيضاً

مقالات أخرى مشابهة